إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) logo إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
shape
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
92552 مشاهدة print word pdf
line-top
محنة الإمام أحمد بن حنبل

كذلك أخذ هذه العقيدة أيضا رجل يقال له: ابن أبي دؤاد وتمكنت العقيدة السيئة من قلبه، ومع الأسف كان مستشارا عند الخليفة المأمون العباسي ؛ فزين للخليفة هذه العقيدة، ومنها أن الله لا يتكلم، وأن القرآن مخلوق ليس هو كلام الله، ولما زين ذلك للخليفة دعاه إلى أن يمتحن الناس، ويلزمهم على هذه العقيدة، ويجبرهم عليها؛ فوافقه الخليفة، وقد أوذي في زمانه أهل الحديث، ووصل الأمر إلى إمام أهل السنة أحمد بن حنبل -رحمه الله- ولكن دعا الإمام ربه ألا يريه وجه المأمون فاستجاب الله دعوته، ومات المأمون قبل أن يأتي الإمام أحمد ولكن تولى بعده أخوه المعتصم ووافق ابن أبي دؤاد على المحنة، وامتحن الإمام أحمد على هذه العقيدة أخذوا يقولون له: قل: إن القرآن مخلوق، وقل: إن الله لا يتكلم وإلا ضربناك، وضربوه ضربا شديدا ويقول عند الضرب:
لــست بتابـع يـا ويحكم
لكـمـو بــلا بـرهـان
أترون أني خائف من ضربكم
لا والإلـه الواحـد المنـان
فصبر على الحبس والضيق أكثر من عشرين شهرا قريبا من سنتين، وهو تحت السجن، وتحت الحبس والأذى؛ ولكنه لم يوافقهم حتى يقول أحدهم في أذنيه: قل في أذني: إن الله لا يتكلم، وأن القرآن مخلوق، وأنجيك من هذا السجن فقال له: بل قل أنت: إن الله يتكلم، وأن القرآن كلام الله، وأرجو أن أشفع لك عند الله .
واستمر على ذلك إلى أن تولى بعده ابنه الواثق ثم ابنه المتوكل الذي نصر السنة، وأكرم الإمام أحمد -رحمه الله- وانتشرت السنة، وتمكن أهل السنة؛ ولكن مع الأسف في القرن الرابع اختفى أمر السنة، وكاد أن يتمضحل، وصاروا يعتقدون معتقد الأشعري والكرامي وابن كلاب وظهر أيضا معتقد المعتزلة .
ظهر رجل يُقال له: أبو الهذيل العلاف على معتقد المعتزلة في تعطيل الله عن الأسماء والصفات، وكذلك أبو هاشم الجبائي والجاحظ ونحوهم من المعتزلة الذين كتبوا في هذه الاعتقادات .

line-bottom